الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ويرى قوم أن (لا) نافية ردّ لكلام كان قد تقدم وجواب لهم، وذلك هو المعروف في كلام الناس في محاوراتهم فإذا قال أحدهم: لا واللّه لا فعلت كذا- قصد بقوله (لا) رد الكلام السابق، وبقوله واللّه ابتداء يمين، فهم لما أنكروا البعث قيل لهم: ليس الأمر على ما ذكرتم ثم أقسم {بيوم القيامة} و{بالنفس اللوامة}: إن البعث حق لا شك فيه.ويرى جمع من المفسرين أنها للنفى على معنى أنى لا أعظمه بإقسامى به حق إعظامه، فإنه حقيق بأكثر من هذا وهو يستأهل فوق ذلك.قال مجاهد: النفس اللوامة هي التي تلوم نفسها على مافات، وتندم على الشر لم فعلته؟ وعلى الخير لم لم تستكثر منه؟ فهى لم تزل لأئمة وإن اجتهدت في الطاعات (بلى) كلمة يجاب بها إذا كان الكلام منفيا، فالمراد بها هنا نعم نجمعها بعد تفرقها، والبنان واحده بنانة وهى الأصابع. قال النابغة: {ليفجر أمامه}: أي ليدوم على فجوره في الحاضر والمستقبل لا ينزع عنه، {برق} تحير فزعا من قولهم: برق الرجل إذا نظر إلى البرق فدهش بصره، قال ذو الرمة: و{خسف القمر}: ذهب ضوءه، و{المفر}: الفرار، والوزر: الملجأ وأصله الجبل المنيع، ومنه قوله: {ينبأ}: أي يخبر، {بصِيرة}: أي حجة شاهدة على ما صدر منه، والمعاذير: ما يعتذر به.{لتعجل به}: أي لتأخذه على عجل مخافة أن يتفلت منك، و{قرءانه}: أي قراءته أي إثباتها في لسانك، {قرآناه}: أي قرأه جبريل عليك، {فاتّبع قرءانه}: أي فاستمع قراءته، وكررها حتى يرسخ في نفسك، {بيانه}: أي تفسير ما فيه من الحلال والحرام وبيان ما أشكل من معانيه، و{العاجلة}: دار الدنيا، {ناضرة}: أي متهللة بشرا بما ترى من النعيم، {ناظرة}: أي تنظر إلى ربها عيانا بلا حجاب، {باسرة}: أي شديدة العبوس كالحة متغيرة مسودة، {تظن}: أي تستيقن، {فاقرة}: أي داهية عظيمة تكسر فقار الظهر.{التراقى}: العظام المكتنفة ثغرة النحر عن يمين وشمال، واحدها ترقوة، {من راق}: أي من يرقيه وينجيه مما هو فيه على نحو ما يستشفى به الملسوع والمريض من الكلام الذي يعدّ لذلك والمراد هل من طبيب يشفى بالقول أو بالفعل، {الفراق}: أي من الدنيا حبيبته، {التفّت الساق بالساق}: أي التوت عليها حين هلع الموت وقلقه والمراد أنه اشتد عليه الخطب، {المساق}: المرجع والمآب، {فلا صدّق ولا صلى}: أي فلا آمن بقلبه ولا عمل ببدنه، {يتمطى}: أي يتبختر افتخارا، {أولى لك}: أي ويل لك، وهو دعاء عليه بأن يليه ما يكره، {فأولى}: أي فهو أولى بك من غيرك، فدلت الأولى على الدعاء عليه بقرب المكروه، ودلت الثانية على الدعاء عليه بأن يكون أقرب إليه من غيره، {سدى}: أي مهملا لا يؤمر ولا ينهى، ولا يكلف في الدنيا ولا يحاسب، {نطفة}: أي ماء قليلا وجمعها نطاف ونطف، {يمنى}: أي يراق ويصب في الرحم، {علقة}: أي قطعة دم جامد. اهـ.. باختصار.
فقالوا: إنما أراد: لا أشتم، ولا يخرج، فلما صرفها إلى خارج نصبها، وإِنما نصب لأنه أراد: عاهدتُ ربى لا شاتما أحدا، ولا خارجا من في زور كلام. وقوله: لا أشتم في موضع نصب.{بلْ يريد الإنسان ليفجر أمامهُ}وقوله عز وجل: {ليفجر أمامهُ..}..حدثنا أبو العباس قال: حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال: وحدثني قيس عن أبى حصين عن سعيد بن جبير في قوله: {بلْ يريد الإنسان ليفجر أمامهُ} قال: يقول: سوف أتوب سوف أتوب. وقال الكلبى: يُكثر الذنوب، ويؤخر التوبة.{فإِذا برق الْبصرُ}وقوله عز وجل: {فإِذا برق الْبصرُ..}..قرأها الأعمش وعاصم والحسن وبعضُ أهل المدينة {برق} بكسر الراء، وقرأها نافع المدنى {فإِذ برق البصر} بفتح الراءِ من البريق: شخص، لمن فتح، وقوله: {برق}: فزع، أنشدنى بعض العرب: فتح الراء أي: لا تفزع من هول الجراح التي بك، كذلك يبرق البصر يوم القيامة.ومن قرأ {برق} يقول: فتح عينيه، ويرق بصره أيضا لذلك.{وخسف الْقمرُ}وقوله عز وجل: {وخسف الْقمرُ..}..ذهب ضوءه.{وجُمِع الشّمْسُ والْقمرُ}وقوله عز وجل: {وجُمِع الشّمْسُ والْقمرُ..}..وفى قراءة عبد الله {وجمع بين الشمس والقمر} يريد: في ذهاب ضوئها أيضا فلا ضوء لهذا ولا لهذه. فمعناه: جمع بينهما في ذهاب الضوء كما تقول: هذا يوم يستوى فيه الأعمى والبصير أي: يكونان فيه أعميين جميعا. ويقال: جمعا كالثورين العقيرين في النار. وإنما قال: جُمِع ولم يقل: جمعت لهذا؛ لأن المعنى: جمع بينهما فهذا وجه، وإن شئت جعلتهما جميعا في مذهب ثورين. فكأنك قلت: جُمِع النوران، جُمِع الضياءان، وهو قول الكسائى: وقد كان قوم يقولون: إنما ذكرنا فعل الشمس لأنها لا تنفرد بجُمع حتى يشركها غيرها، فلما شاركها مذكر كان القول فيهما جُمِعا، ولم يجر جمعتا، فقيل لهم: كيف تقولون الشمس جُمع والقمر؟ فقالوا: جُمِعت، ورجعوا عن ذلك القول.{يقول الإنسان يوْمئِذٍ أيْن الْمفرُّ}وقوله عز وجل: {أيْن الْمفرُّ..}..قرأه الناس المفر بفتح الفاء حدثنا أبو العباس قال، حدثنا محمد قال وقال: حدثنا الفراء، قال: وحدثني يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن رجل عن ابن عباس أنه قرأ: {أين المفِر} وقال: إنما المفر مفر الدابة حيث تفر، وهما لغتان: المفِر والمفر، والمدِبُّ والمدبُّ. وما كان يفعل فيه مكسورا مثل: يدِب، ويفِر، ويصِح، فالعرب تقول: مفِر ومفر، ومصِح ومصح، ومدِب ومدب. أنشدنى بعضهم: ينشدونه: مدب، وهو أكثر من مدِب. ويقال: جاء على مدب السيل، ومدِب السيل، وما في قميصه مصِح ولا مصحٌّ.{كلاّ لا وزر}وقوله عز وجل: {كلاّ لا وزر..}..والوزر: الملجأ.{يُنبّأُ الإنسان يوْمئِذٍ بِما قدّم وأخّر}وقوله عز وجل: {يُنبّأُ الإنسان يوْمئِذٍ بِما قدّم..}..يريد: ما أسلف من عمله، وما أخر من سُنة تركها بعمل بها من بعده، فإن سنّ سنة حسنة كان له مثل من يعمل بها من غير أن يُنتقصوا، وإن كانت سنة سيئة عذب عليها، ولم ينقص من عذاب من عمل بها شيئا.{بلِ الإنسان على نفسه بصِيرة}وقوله عز وجل: {بلِ الإنسان على نفسه بصِيرة..}..يقول: على الإنسان من نفسه رقباء يشهدون عليه بعمله: اليدان، والرجلان، والعينان، والذكر، قال الشاعر: {ولوْ ألْقى معاذِيرهُ}وقوله عز وجل: {ولوْ ألْقى معاذِيرهُ..}..جاء في التفسير: ولو أرخى ستوره، وجاء: وإن اعتذر فعليه من يكذب عذره.{لا تحرك به لِسانك لِتعْجل به}وقوله عز وجل: {لا تحرك به لِسانك..}..كان جبريل صلى الله عليه وسلم إذا نزل بالوحى على محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن قرأ بعضه في نفسه قبل أن يستتمه خوفا أن ينساه، فقيل له {لا تحرك به لِسانك لِتعْجل به إِنّ عليْنا جمْعهُ} في قلبك {وقرآنه} وقراءته، أي: أن جبريل عليه السلام سيعيده عليك.{فإِذا قرآناهُ فاتّبِعْ قرآنه}وقوله عز وجل: {فإِذا قرآناهُ فاتّبِعْ قرآنه..}..إذا قرأه عليك جبريل عليه السلام {فاتبع قرآنه}، والقراءة والقرآن مصدران، كما تقول: راجحٌ بين الرجحان والرجوح. والمعرفة والعرفان، والطواف والطوفان.{كلاّ بلْ تُحِبُّون الْعاجِلة وتذرُون الآخِرة}وقوله عز وجل: {كلاّ بلْ تُحِبُّون الْعاجِلة..}.. {وتذرُون الآخِرة..}..رويت عن على بن أبى طالب، رحمه الله: {بلْ تُحِبُّون وتذرُون} بالتاء، وقرأها كثير: {بل يحبون} بالياء، والقرآن يأتى على أن يخاطب المنزل عليهم أحيانا، وحينا يُجعلون كالغيب، كقوله: {حتّى إِذا كُنْتُمْ في الْفُلْكِ وجريْن بهمْ بِرِيحٍ طيِّبةٍ}.{وُجُوهٌ يوْمئِذٍ نّاضِرةٌ}وقوله عز وجل: {وُجُوهٌ يُوْمئِذٍ نّاضِرةٌ..}..مشرقة بالنعيم.{ووُجُوهٌ يوْمئِذٍ باسِرةٌ}{ووُجُوهٌ يُوْمئِذٍ باسِرةٌ..}. كالحة.{تظُنُّ أن يُفْعل بها فاقِرةٌ}وقوله عز وجل: {تظُنُّ أن يُفْعل بها فاقِرةٌ..}..والفاقرة: الداهية، وقد جاءت أسماء القيامة، والعذاب بمعانى الدواهى وأسمائها.{كلاّ إِذا بلغتِ التّراقِي}وقوله عز وجل: {كلاّ إِذا بلغتِ التّراقِي..}..يقول: إذا بلغت نفْس الرجل عند الموت تراقيه، وقال من حوله: {منْ راقٍ} هل من مداو؟ هل من راق؟ وظن الرجلُ {أنه الفراق}، علم: أنه الفراق، ويقال: هل من راق إن ملك الموت يكون معه ملائكة، فإذا أفاظ الميت نفسه، قال بعضهم لبعض: أيكم يرقى بها؟ من رقيت أي: صعدتُ.{والْتفّتِ السّاقُ بِالسّاقِ}وقوله عز وجل: {والْتفّتِ السّاقُ بِالسّاقِ..}..أتاه أولُ شدة أمر الآخرة، وأشد آخر أمر الدنيا، فذلك قوله: {والْتفّتِ السّاقُ بِالسّاقِ}، ويقال: التفت ساقاه، كما يقال للمرأة إِذا التصقت فخذاها: هي لفّاء.{ثُمّ ذهب إِلى أهْلِهِ يتمطّى}وقوله عز وجل: {يتمطّى..}..يتبختر؛ لأن الظهر هو المطا، فيلوى ظهره تبخترا وهذه خاصة في أبى جهل.{ألمْ يكُ نُطْفة مِّن مّنِيٍّ يُمْنى}وقوله عز وجل: {مِّن مّنِيٍّ يُمْنى..}..بالياء والتاء. من قال: يُمنى، فهو المعنى، وتُمنى للنطفة. وكلٌّ صوابٌ، قرأها أصحاب عبد الله بالتاء. وبعض أهل المدينة أيضا بالتاء.{أليْس ذلِك بِقادِرٍ على أن يُحْيِي الْموْتى}وقوله عز وجل: {أن يُحْيِي الْموْتى..}..تظهر الياءين، وتُكسر الأولى، وتجزم الحاء. وإن كسرت الحاء ونقلت إليها إعراب الياء الأولى التي تليها كان صوابا، كما قال الشاعر: أراد: فتعيا. اهـ.
|